Dr.dabbagh

السبت، يونيو 17، 2023

من مقالات الدكتور الدباغ القديمة في مجلة ازاهير التي كانت تصدرها مدرسة ابي تمام النموذجية في السبعينات

 


العدد 12 لسنة 1974



العدد 13 لسنة 1975

الجمعة، يناير 07، 2022

كتب حديثة ذكر فيها الاستاذ الدكتور فخري الدباغ

 



الخميس، يناير 06، 2022

من ارشيف الدكتور الدباغ المتوفر على الانترنت من المقالات

 






الثلاثاء، يوليو 14، 2020

مقال جديد عن الدكتور الدباغ في مجلة الانساب والتراث في عددها 35 لعام 2020






الاثنين، يوليو 13، 2020

تكريم جديد في تموز 2020 من رابطة كتاب تاريخ الموصل وتراثها


الأربعاء، فبراير 19، 2020

كتاب جديد نشر عام 2020 فيه ذكر للاستاذ الدكتور فخري الدباغ






الثلاثاء، فبراير 11، 2020

اهتمام الدكتور الدباغ بطلبته وحثهم على العمل في تطوير الطب في العراق

وصلتني صورة لمقالة مهمة نشرت في سبيعينات القرن الماضي عندما كان الدكتور فخري الدباغ عميدا لكلية الطب جامعة الموصل والاهتمام الكبير التي كانت تقوم به الكوادر التعليمية في الاستفادة من الافكار والمشاريع الطلابية التي كانت تهدف لخدمة الطب والعلم في العراق .




السبت، يناير 25، 2020

في الذكرى 36 لوفاة الاستاذ الدكتور فخري الدباغ رحمة الله عليه ، تحويل كتبه الى صيغ الكترونية قابلة للتحميل .

السلام عليكم 
بعون الله تعالى وبمناسبة الذكرى 36 لوفاة الوالد رحمة الله عليه ، قمت بتحويل كتبه جميعها الى صيغ الكترونية وتم تحميلها الى جهات مختلفة اولها في صفحتي على الفيسبوك ، كما تم تحميل بعض الكتب المهمة في مكتبة النور للكتب الالكترونية المجانية ، وهنا ساقوم بتحميل الكتب ايضا ليتم الاستفادة منها من قبل زوار الصفحة هذه ، ودعائنا مستمر ان تكون هذه الاعمال صدقة جارية وعلم ينتفع به خصوصا وان جميع هذه الكتب مفقودة من سنين طويلة من المكتبات ، علما اننا وخلال السنوات الماضية تبرعنا بنسخ من هذه الكتب الى جامعة الموصل - المكتبة المركزية ، ومكتبة كلية طب الموصل ، ومكتبة كلية طب نينوى اضافة الى المكتبة العامة ومكتبة الاوقاف .



روابط الكتب :

اصول الطب النفساني
https://drive.google.com/open?id=1kGDXam00EVcBg9RFn88KXz9d6WQgzs2f

الاطباء الادباء 
https://drive.google.com/open?id=1tnWOLkyTx2KkLPU3-Fu1_a68ZcPBQDdt

الاطباء والناس
https://drive.google.com/open?id=1UymHZ7H7hvyikc6hKLpm2Y8v01pb1BMx

الحرب النفسية 
https://drive.google.com/open?id=1m0zxyaQkN90w-TzOcKzwzBsYq5ChZ92M

السلوك الانساني
https://drive.google.com/open?id=1ln2_3yCLUvQ8FNsQ0D06BSBklHzMrt2f

الموت اختياريا
https://drive.google.com/open?id=1IeSkkwzoJmFfb-zZltFVs-QwxRZzfvte

جنوح الاحداث
https://drive.google.com/open?id=14nt5UtBuLpBbfF9__3x57G-jfO6DI-mU

خطوات على قاع المحيط 
https://drive.google.com/open?id=1_ZWhlJ4ughtPFa885u4tFKE9tNcxgVAs

في ضمير الزمن
https://drive.google.com/open?id=1inzy-dm-Ebbt4VdzYAA_nnEpQoQvJB22

علم النفس العسكري
https://drive.google.com/open?id=194kBzazKP1Xedm9YIX9QQ8KDVL1agoFT

غسل الدماغ
https://drive.google.com/open?id=12UHV-8govcVuoZAWBvp07OmOkRRbAsTG

مقدمة في علم النفس 
https://drive.google.com/open?id=1dgg06XB5aJin3X3kL2QrgDrdATVEwe8y

اختبار المصفوفات المتتابعة
https://drive.google.com/open?id=170JhKnoX4E0faCX14T8qCmDq6u7PyR_A



الأحد، سبتمبر 09، 2018

كتاب شكر جديد من رئيس جامعة نينوى



قامت عائلة الدكتور فخري الدباغ بالتبرع بالكتب الخاصة به التي تم ترجمتها او تأليفها لتكون ذات فائدة لطلبة كلية طب نينوى وعلى اثره منح السيد رئيس جامعة نينوى الاستاذ الدكتور مزاحم الخياط كتاب شكر وتقدير لعائلة الدكتور الدباغ .




الجمعة، أغسطس 31، 2018

اعادة افتتاح شعبة الدكتور فخري الدباغ للتأهيل النفسي بالموصل 2018


 قام السيد مدير عام صحة نينوى بتاريخ 27-8-2018 بافتتاح عدد من الوحدات في المستشفيات ومنها اعادة افتتاح شعبة الدكتور فخري الدباغ للتأهيل النفسي في مستشفى ابن سينا التعليمي في منطقة الرشيدية بدلا من الذي اختفى في الجانب الايمن من المدينة والذي كان مقره امام مدخل المستشفى العام ...نشكر جهود كل من ساهم بهذا المجهود وباي مجهود يساهم في خدمة اهالي الموصل الكرام.

الأحد، نوفمبر 12، 2017

ابيات شعرية بحق عائلة الدكتور فخري الدباغ رحمة الله عليه

نَخُصُّ بِاٌلْذِكْرِ فَخْرِیٌّ بِذِيْ اٌلْحِكَمِ...
عَمِيْدُ اٌلْزَمَاْنِ فِيْ طِبٍ وَمِنْ أَدَبِ.

 أَشَاْدَتْ بِهِ اٌلْحَدْبَاْءُ بِغَزِيْرِ عَطَاْئِهِ... 
فَشَهِدَتْ بِحَقٍّ بِأَنَّهُ اٌلْعَالِمَ اٌلْثَاقِبِ.

تَأَلَّقَتْ باٌلْقَبَسِ سَلْمَى بِنْتُ مُخْلَصِ...
اٌلقَوْمِ مِنْ طِيبِ اَصْلٍ وَمِنْ اٌلنَسَبِ.

 فَاٌلبِكْرُ صَمِيْمٌ وَلَهُ فِيْ اٌلْقَلْبِ مَقَاْمٌ...
بَاْسِمُ اٌلْثَغْرِ عَطِرُ اٌلْلِقَاْءِ بِذِيْ حَسَب

بِهِمْ وِئَاْمُ اٌلْطُهْرِ وَأَنْعِمْ بِهَاْ مِنْ حَرَمٍ... 
تُعْجِزُ بِاٌلْوَصْفِ وَأَعْجَبُ مِنِ عَجَبِ.

 بِهِمْ تَمِيْمٌ بِجُوْدِ فُؤَاْدٍ كَرِيْمُ اٌلْدَيْدَنِ...
بِدَرْبِ صَحْبٍ لَهُ مِنْ مُعَاْذٍ وَمُصْعَبِ.

فَيَاْ لِبَسِيْمِ اٌلْطَيْرِ فِيْ اٌلأَيْكَةِ بِصَاْدِحٍ...
وَيَاْ لِمَلاْئِكَةٍ مِنْ حَوْلِهِ تَمِيْلُ وَتَطْرَبِ.

فَجَنَّةُ اٌلْفِرْدَوْسِ مَأْوَاْهْمُ بِاٌلْنَعِيْمِ أَبَدَاْ
بِمَاْ اَمَنُوْا بِغَيْبٍ مِنِ اٌلْقَدَرِ ومِنْ سَبَبِ


                                            الشاعر: انمار عبد المالك الطالب - 2017

الجمعة، يناير 20، 2017

في الذكرى 33 لوفاة الدكتور فخري الدباغ

مقال من قبل وئام فخري الدباغ كتب في 18-1-2017 :

لطالما تساءلت بينى وبين نفسى..لماذا نتذكر دائما تاريخ يوم الوفاة ولانتذكر تاريخ يوم الولادة لناس اعزاء علينا..فالذكرى التى طالما يحتفى بها الكتاب والشعراء هى ذكرى الوفاة وتقام الاحتفاليات بيوم ذكرى الوفاة وليس بيوم الولادة..؟ سؤال طالما حيرنى خصوصا عندما تقترب ذكرى وفاة والدى...حيث نفاجأ انا واسرتى بمقالات تكتب عنه او قصيدة تلقى بذكراه او تكريم رسمى له...سالت نفسى يوما هل اتذكر تاريخ ميلاد ابى ...واستغربت اكثر لاننى اكتشفت اننى اجهله وكل ما اعلمه هو سنة ولادته حيث عرفتها من خلال ما كتب عنه ومن سيرته الذاتية بعد وفاته...ترى ما السبب! جرنى حبل التفكير الى يوميات من حياة ابى..صور ذكريات كثيرة دارت فى ذهنى...وقرأت صفحات عديدة من كتاب حياته معى ومع الناس من مختلف الاعمار والمستويات...ساقوم بسرد بعضا منها لكم لتتيقنوا معى بان الجواب الذى توصلت اليه هو الصحيح وهوالحقيقى حيث لامجال للخطأ على الاقل بالنسبة لوجهة نظرى.
 
عندما يقبل مولود جديد على الاسرة نجد ان الجميع يستقبلونه بالاحضان والقبلات والابتسامات والضحكات رغم اننا لانعرف عنه شيئا وربما يكون ذلك حتى قبل اختيارنا لاسمه ونحاول تشبيهه بامه او ابيه وربما عملنا له احتفالا بسيطا بالبيت عند استقباله كل هذا ونحن لاندرى عن صفات المولود الجديد شيئا هل هو خيرا ام شريرا...حسن الطبع والخلق ام عكس ذلك...نافعا للناس والمجتمع ام ضارا بهم...وربما لاينفع ولايضر...المهم ان هذا الضيف الجديد سيشغل الاسرة ويعم الفرح بوجوده...وعلى العكس فعندما تفقد الاسرة شخصا سيودع بالبكاء والحزن والاسى والنحيب مهما كانت صفاته..مع فارق واحد هو ان الناس والمعزيين سيتكلموا عن الفقيد نفسه وعن صفاته واخلاقه ..عن منفعته ..عن علمه..وما قدمه للمجتمع والناس ويكون التركيز هنا على صفات الشخص نفسه وماعرف عنه وليس بالتشبيه باحد او التركيز على المجهول من الصفات لان كل شىء عنه اصبح معروفا لدى الناس من صفاته الشخصية الى قدراته ومواهبه ومنافعه والغريب ان الذكرهنا يركز على الصفات الجيدة فقط ويبدأ الناس بسرد سيرة الفقيد وحياته وكيف كان كذا وكذا وكذا....وكيف فعل ذلك وتلك...فتظهر الافعال والاعمال على السطح... فتعرف عن الفقيد وتكتشف اشياء كثيرة لم يكن احد يعرفها سابقا حتى اقرب المقربين له..وهنا تتجسد الحقائق وتصبح الصورة اوضح لحياة ذلك الفقيد ويبدو لاسرته واهله وناسه وكأنه شخصا او انسانا اخر..عندها تنكشف حقيقة ذلك الانسان ...ويتجسم حجم الفقدان وتتقلب القلوب ما بين الفرح والفخر بتوديع ذلك الفقيد وما بين الحزن والاسى لاننا لم نقدر او نعرف قيمة ذلك الشخص قبل ذلك...نفرح بمن يشاركنا الاحزان...ونحزن على انفسنا وعلى من فقدوه معنا..نفرح بذلك الاحتفاء الكبير والسيرة العطرة والذكرى القيمة والغنية ...ونفرح بتلك الثروة المعنوية التى يتركها لنا هؤلاء ... ثروة باقية لاتنضب من كثرة الذكر والتذكر..وتزداد المآقى ذرفا للدموع..ويزداد القلب نزفا وألما..لكن يبقى فعل العزاء والوداع فعلا احتفاليا قد لانرى مثيله عند الولادة.

ومما يدعو الى العجب احيانا اننا نبكى اناس فقدناهم ونحن على غير معرفة بهم..نبكيهم بعد ان نسمع عنهم وعن سيرتهم واعمالهم..وكأننا نبكى انسانيتهم او نبكى حظنا العاثر لاننا لم نتعرف عليهم او نصاحبهم فى الدنيا..انا شخصيا بكيت الكثير...بكيت وحزنت على الحريرى بعد ان سمعت ما قدم للناس والمجتمع واستمر حزنى عليه اياما طويلة ...بكيت د.عبد الله شحاته..الذى كان يقدم برنامج دنيا ودين وينصح الناس بكل اعتدال ومحبة وحنان وكأنه اب حنون ورحيم باولاده...بكيت مدرستى فى الثانوية بعد سماعى خبر وفاتها من والدتى ...بكيتها بكاء الاطفال على شىء اضاعوه...بكيت شهيدتنا الغالية فى طرابلس.. زينا(ام جبريل)..بعد ان علمت ما قدمت للناس والمجتمع والارامل والايتام وما فعلت وقدمت لحياتها من عبادات وطاعات..وانا لم تربطنى بها سوى علاقة القرابة بين ابيها وزوجى..ورغم اننى لم التق بها الا بضع مرات فى جلسات عائلية الا ان حزنى عليها كان كبيرا واخذ منى وقتا طويلا بالتحسر على الايام التى ضاعت منى ولم اكن اتواصل معها او اكون بصحبتها ..حيث كان لوداعها احتفالية ضخمة وكان بحق عرسا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ...وبكيت ..وبكيت الكثير.. وان دل هذا على شىء فانما يدل على ان هناك نوع من البشر ممن يترك أثرا عميقا فى حياة الناس بدون ان نشعر بهم لكن بعد ان يغادروا الحياة تنكشف حقيقتهم ويتكلم الناس عنهم فيتواصلوا معك وتتواصل معهم من خلال الاخبار والاحاديث والاحتفاءات بهم ...فلا تجد فعلا تفعله سوى البكاء والحزن ..او ربما هو الغبطة والتمنى والرغبة فى ان تصل الى ما وصلوا اليه ...او ان تكون مثلهم..وهذا كله لايحدث الا بعد فقدانهم ..وبعد وفاتهم.
حينما اقلب صفحات من كتاب حياة ابى  المطبوع فى ذاكرتى تتجسم الكثير من الصور امام عينى فارى مالم استطع رؤيته بصورة واضحة وهو على قيد الحياة وتبدو المواقف والافعال اكثر ادراكا وفهما لى..حيث تكتمل اللوحات وتضاف عليها كل التفاصيل المهمة والدقيقة من اجل ان تظهر للرؤية اجمل واحلى وابهر ...وتنكشف تفاصيل الحياة اليومية التى عاشها والدى مع الناس والتى لم نكن نعرف عنها شيئا اثناء حياته فندرك مدى تاثيره على هؤلاء الناس وعمق الاثر الذى تركه فى نفوسهم ومدى حجم المشاعر والاحاسيس المتبادلة بينهم والتى ان دلت على شئ فانما تدل على ان مازرعه والدى فى قلوب هؤلاء البشر من الحب والتقدير والاحترام والانسانية اصبحت له جذورا عميقة ممتدة الى اعماق قلوبهم ونفوسهم وذاكرتهم فكانت لهم ردود افعال لفقدانه هزت مشاعرنا جميعا وفجرت ينابيع الدموع من مآقيهم ومآقينا واضافوا الى يوميات حياته الكثير من التفاصيل التى لم نكن نعرفها عنه فاكتملت الصفحات بالتفاصيل والاحداث واضيفت الى صفحات كتابه ولم تعد بحاجة الى التنقيح والتصليح لان سرد الاحداث والمواقف والافعال كان حقيقيا وصريحا وصادقا من الناس فلم يعد هناك ما يدعو للمجاملات بعد ان غادر والدى الحياة وكنت كلما قلبت تلك الصفحات تتزاحم فى ذاكرتى الصور فاجد نفسى حينا حزينة ويغلبنى البكاء واحيانا اخرى اجد بعضا من الضحكات والابتسامات تملاء وجهى واشعر بالفرح والفخر ..وربما شعرت بالحسرة والمرارة او ينتابنى الحنين والاشتياق له الى تلك الدرجة التى اخدع بها نفسى فاردد دعاءا لله واقول واتمنى.. الا ليت السماء تنشق ولو للحظة واحدة وينزل من فقدناه لمدة لا تتعدى ثانية واحدة فقط لكى اعانقه واقول له كم احبك ياابى ...وكم انت عزيز على ..وكما اشتاق لدفء احضانك ...وكم ...وكم ...وكم .
 اتذكر وانا طالبة احضر للماجستير ..كنا انا وصديقتى وهى ايضا زميلتى فى الماجستير نجلس امام مدخل الكلية الرئيسى وكنا نتبادل الاحاديث المختلفة فتوقفت فجاة عن الكلام وقالت ..سبحان الله لك نظرات وابتسامة تشبه نظرات ابيك فقلت لها لااعتقد .. فقالت: تذكرنى نظرتك بموقف حصل مع والدك عندما كنت طالبة فى الطب وهنا فى نفس هذا المكان .. ..حيث كنت يوما مخالفة للزى الموحد واعجبتنى زهرة جميلة فى احدى لاحات الكلية الموجودة امام المدخل والتى كنا انا وهى نجلس بقربها وكان والدك يمر صباحا ويتجه للمدخل فرآنى واتجه نحوى وكنت اتصور انه سيوبخنى او يعاقبنى لكنه اقترب منى وابتسم ونظر الى بنفس هذه النظرة (والتى تدل على معنى) وقال لى (باللهجة الموصلاوية) :يعنى هم مخالفة للزى الموحد وهم عتقطفين الزهور من الحديقة! ثم تركنى وانصرف ..جعلنى اشعر بالخجل واعطانى درسا لن انساه خصوصا انه كان مرتديا بدلة بنفس الوان الزى الموحد ..لقد كان موقفا لن انساه رغم انه لم يجرحنى ولم يحرجنى باى كلام لكنى فهمت الدرس جيدا.. ثم رددت وهى تبتسم وتضحك وتقول الله يرحمه الله يرحمه كان راقيا بتصرفاته وحديثه..هذا احد المواقف لطالبة من طلابه.. وتذكرت كيف انه طلب مرة من والدتى ان تبحث له عن اقمشة جيدة باللون الرمادى والنيلى ليوصى الخياط بخياطة بدلة له وعندما سالته والدتى عن السبب قال لها بما اننى عميد الكلية فسوف ارتدى الزى الموحد حتى عندما يرانى الطلاب مرتديا له وانا عميدهم يحاولون هم ايضا ان يرتدوه واكون قدوة لهم ولاتكثر المخالفات والعقوبات ..وكأنه يوجه رسالة صامتة لهم..لم استطع حينها ان ادرك اهمية ذلك اثناء حياته الا بعد ان حكت لى صديقتى هذا الموقف الذى حصل معها وكان ذلك بعد وفاته ...فعلا لقد كانت نظرته للامور اشمل واعمق ...وقد ادركت ذلك بعد سماعى لهذا الموقف من صديقتى والتى تذكرته وذكرته لى بعد ان توفى والدى.
 فى موقف اخرواثناء دراستى للماجستير رغبت ان اعرض اطروحتى بالسلايدات فنصحونى الزميلات والزملاء بان اطلب مساعدة موظف فى الكلية كان مسؤولا عن عرض السلايدات ووسائل الايضاح فى الكلية سواء للاساتذة او الطلاب لان الجهاز كبير ويتسع للكثير من السلايدات وحتى لا اشغل نفسى اثناء المناقشة بتشغيل الجهاز واركز فقط على الشرح والاسئلة المطروحة على.. فذهبت اليه وطلبت منه ذلك وكان مرحبا بى جدا وقال لى(انا سعيد جدا ان اقدم هذه الخدمة لابنة اخى واستاذنا جميعا وشخص عزيز وغالى علينا) وفى يوم المناقشة ذهبت باكرا وعند دخولى للقاعة لكى اقوم بالترتيبات اللازمة وجدته جالسا فى وسط القاعة وقد وضع له طاولة صغيرة وكرسى وكان يحاول تجربة عرض السلايدات ليتاكد من كل شىء..ثم رأيته ينظر الى بطريقة وكأنه يتذكر شيئا ما والابتسامة الحزينة على وجهه ثم قال لى :اتدرين من كنت اتمنى ان يكون معنا فى هذه القاعة؟ فقلت له وبنفس الابتسامة نعم ادرى واعرف جيدا لكن ارجوك لاتكمل ولاتقل شيئا فالسكوت فى هذه اللحظة اسلم ...وانتهت المناقشة وانشغلت بعدها ولعدة ايام بالتصليحات وامور الطبع وغيرها لكنى لم انسى هذا الرجل ومايجب ان اقدمه له جزاء لخدمته فارتأيت ان اقدم له مبلغا من المال ووضعته فى ظرف وزينته بشريط الهدايا حتى يبدو وكانه هدية وليس مجرد مبلغ مادى لخدمته وبحثت عن غرفته الصغيرة التى كان يجلس فيها عند العمل ومليئة بالاجهزة وغيرها من وسائل الايضاح والتصوير وعندما دخلت قام وسلم على والفرحة تبدو عليه ويردد اهلا بابنة الغالى علينا والف مبروك عليك الماجستير فشكرته وطلبت منه ان يقبل منى هذا المبلغ كهدية متواضعة لاننى بصراحة لااعرف ماذا اشترى له...وفجاة رأيته يقول لى وهل تتصورين اننى ممكن ان استلم منك اية هدية او جزاء على خدمتى لك وانهار امامى بالبكاء الشديد وارتبكت امامه لااعرف ماذا اقول وكيف اهدأ من روعه.. هذا الرجل الكبير فى السن ومن اقدم الموظفين فى الكلية يبكى امامى ويقول وهل تتصورين ان اخذ من ابنة اخى وعزيزى والغالى على واستاذى ومعلمى شيئا مقابل هذه الخدمة البسيطة لك ...اه يا ابنتى لو تعرفين الجرح الذى تركه فقدان والدك فى قلبى.. اه لو تعرفين مدى محبته ومعزته فى قلبى ...ووقفت مبهورة امامه لاادرى ماذا اقول وكيف اعتذر له ..فلم يعد هناك كلمات تقال ...لكنى حاولت ان اهدأ من روعه وان اجعله يدرك ان هذا المبلغ ليس شيئا مقابل خدمته ولكنى فقط احببت ان اهديه شيئا تعبيرا عن شكرى وامتنانى له كهدية فقط لاغير وحاولت ان اعتذرلكنه اقتنع بعد ذلك وقال ان هذه الدموع والانفعال هو مجرد انفجار للعواطف والاحاسيس المكبوتة داخله من زمان وربما ماحصل كان كالدبوس الذى فجر البالونة ...ثم عدت لزيارته بعد يومين لاطمأن عليه حيث لم استطع نسيان ومحو هذا الموقف من ذاكرتى ...وهذا مايتركه البشر من امثال والدى من محبة وتقدير واحترام عند الاخرين ...ذكرى يبقى اثرها كبيرا فى قلوب الناس قابلة للنزف فى كل لحظة وزمان وعالقة فى الاذهان.. والتى لولا وفاته لما صادفتها ابدا.
 موقف اخر ...اعلن عن انتهاء الحرب العراقية الايرانية وفرح الجميع بذلك وكنا نتبادل الاحاديث بجلسة اسرية ثم لاحظت ان والدتى يبدو عليها الحزن فسالتها ماذا يزعجها فردت على وقالت :اه كم كنت اتمنى ان يكون والدك معنا الان ويبادلنا الفرح بانتهاء الحرب لانه كان يقول دائما لى كم اتمنى ان تنتهى الحرب ...فقلت لها وماالذى جعلك تفكرين بذلك؟فقالت كان بالفترة الاخيرة كلما رجع من المركز الطبى يبدو عليه الحزن والتفكير وكانه يحمل على اكتافه هما كبيرا وعندما احاول ان اخفف عنه يقول لى وباختصار شديد :كم اكره هذه الحرب اللعينة واتمنى ان تنتهى ...وقد اعترف لى مرة بان معظم المرضى الذين ياتونه فى المركز يعرفون جيدا انهم لايعانون من اى مرض معين لكنهم يريدون فقط ان يتكلموا ..يعبروا عما فى داخلهم من الحزن والقهر على اولادهم والشهداء الذين فقدوهم..وروى لها كيف جاءه مرة رجل ..وهواب لولدين شهيدين وجلس امامه ثم انفجر بالبكاء الشديد وحدثه عما يجيش فى اعماقه من الحزن والتمزق والاسى على اولاده والاكثر من ذلك انه عندما يحاول ان يخفف عن حزنه ويرغب بالتحدث مع زوجته ويشكى همه لها يجدها هى ايضا حزينة ويشفق عليها ويتالم لها ويضطر ان يخفى مشاعر الحزن والالم عنها فلم يكن منه سوى ان يزور والدى ليجد انسانا يتكلم ويتحدث معه ويخفف عنه ...ويحمل والدى هموم هؤلاء على اكتافه ويحزن لحزنهم وهذا ما جعل والدتى تذكره فى ذلك اليوم الذى انتهت فيه الحرب...حدثا لم يشهده والدى ولكنه تمنى ان يكون ويحدث لانهاء مآسى الناس والتخفيف عن همومهم...موقف انسانى جميل منه ...ورغم ذلك لم نشعر نحن اولاده يوما بان الحمل على اكتافه كان ثقيلا الى هذه الدرجة حيث كنا دائما نراه مبتسما هادئا وكأن الحياة خالية من الهموم والاحزان.
 (لقد خلقنا الانسان فى كبد)... اية قرانية كنا انا وزوجى يوما نتناقش بمعناها فى الصباح حيث من عادته ان يقرأ القران بعد صلاة الفجر وكان يردد هكذا الانسان يتعب ويشقى فى الحياة الى اخر لحظة من حياته ومهما كانت شهادته وعلمه ومهنته فكل شى سينتهى ...وتذكرت لحظتها موقفا حصل مع ابى ...كنا فى فصل الصيف وحكت لى والدتى صباح احد الايام كيف قضت ليلة مزعجة لقلقها على والدى حيث كان من عادته ان يجلس فى الحديقة ويسهر اما ليكتب اذا كان لديه مشروع تاليف كتاب او عمل بحث او يقرأ لمجرد المطالعة كهواية واحيانا كان يدخل الى غرفة الضيوف ليشغل جهاز الاسطوانات الكبير ويسمع الموسيقى الكلاسيكية الهادئة وهو يطالع الكتب او يكتبها وعندما طلبت والدتى منه ان يكتفى بما فعل بالساعات الماضية وان يحاول ان ياخذ قسطا من النوم والراحة قال لها بان تصعد الى السطوح (حيث كنا ننام بالسطوح فى ذلك الوقت) وهو سيحاول اللحاق بها بعد ان يغلق الابواب ويطفىء المصابيح ..فتركته والدتى وصعدت لتنام وقد غلبها النعاس ولم تصحو الا فى ساعة متأخرة من الليل وعندها استغربت بعد ان رأت مكان والدى وكأنه لم ينم عليه مطلقا ورأت باب السطوح مفتوحا على مصراعيه فاصيبت بالقلق واسرعت بالنهوض لكى تطمأن عليه..ثم نزلت للطابق الاول ونظرت الى ساعة الحائط فوجدتها قد قاربت على الرابعة فجرا فاصابها القلق اكثر خصوصا عندما رأت كل المصابيح مضاءة كما تركتها قبل النوم ..فنزلت للطابق الارضى وبدأت تنادى على ابى ولا من مجيب الى ان وصلت لغرفة الضيوف وذهلت لما رأته ...حيث وجدت والدى ممددا على الكنبة وقد غلبه النوم والتعب وقد سقطت نظاراته على وجهه وسقط الكتاب الضخم الذى كان يقرأه على وجهه ايضا وكان يغط فى نوم عميق من كثرة التعب والاجهاد بحيث انها استغرقت لحظات لحين استطاعتها ايقاظه وقد ترك كل شىء على حاله من الابواب المفتوحة والمصابيح وحتى الاسطوانة كانت قد انتهت وبقيت الابرة تدور وتدور... كانت والدتى تحكى لى الحكاية وكأنها رواية بوليسية ...وكانت تردد الحمد لله انه لم يحدث شىء لوالدى حيث كان من المحتمل ان نتعرض لدخول اللصوص او السرقة او اى اذى لوالدى ..ولكن حزنها كان اكثر عليه وهى تردد ..لاادرى لماذا يتعب والدك نفسه اكثر من اللازم ويحمل نفسه اكثر من طاقتها وكانت عندما تلومه يقول لها انا متمتع بهذا العمل واحبه ..مرت هذه الحادثة امامى كأى حادثة عادية خصوصا بعد ان مرت بسلام ولم تثير عندى سوى الاحساس بمدى حب وعشق الكتابة والتأليف لدى والدى وكيف انه مستمتع بها رغم التعب والاجهاد الذى يعانى منه...لكن الغريب فى الامر اننى تذكرتها عندما كان زوجى يقول نحن نتعب ونركض ونلهث فى الحياة ونتصور اننا نفعل شيئا لانفسنا ولحياتنا فى الوقت الذى يحدثنا القرآن على ان الحياة كلها تعب وارهاق ولهث...وان الراحة هى فى النهاية والاخرة ومع ذلك فنحن لا نعمل لاخرتنا الا الشىء القليل فبدأت بسرد هذه الحادثة له وكنت اسردها بنفس الطريقة التى حكتها لى والدتى وكان زوجى يتلهف ليسمع تفاصيل ونهاية الحدث هذا..لكن الغريب فى الامر اننى عندما وصلت الى هذه النقطة بالذات( وكان الكتاب قد سقط على وجهه وسمعت والدتى صوت انفاس والدى المتحشرجة نتيجة لجثوم النظارة والكتاب على وجهه..)عند هذه المرحلة احسست بان فيزيولوجية جسمى قد تغيرت حيث بدأت ضربات قلبى بالتسارع ونبرات صوتى بالارتجاف ..ثم اصبحت مخنوقة الانفاس وكاننى احسست بثقل ذلك الكتاب على صدرى ولم استطع تحمل تلك الغصة فى حلقى فانفجرت بالبكاء الشديد وانا اردد (واحسرتى عليك ياابى ...واحسرتى كم تعبت وكم جاهدت وكم وكم وكم..) ...ونظر الى زوجى وكانه يلوم نفسه ويقول اننا نتناقش باية قرآنية مجرد مناقشة لم اقصد بها ايلامك...فاشرت له بالسكوت لانه لاذنب له بذلك وانما هى ردود فعل غريبة لم اعرف مغزاها ومعناها ولماذا لم تحدث لى عندما روت لى والدتى ذلك...وكاننى لم اشعر بتعب وجهد والدى الا فى هذه اللحظة او لربما لاننى فقدته واحسست بأن هذه الحياة فعلا انما هى كبد وتعب ولهث وبعد اكثر من 30 سنة على فراق والدى...خصوصا انه توفى بحادث فجائى لم يخطر على بال احد فخطفه الموت منا على حين غفلة ادركنا بعدها بان هذه الحياة ليست لها اية قيمة ..وان كل مايفعله الانسان بحياته ليس له قيمة سوى شىء واحد هو قيمة مايقدمه لحياته (واقصد هنا حياته الحقيقية وهى الاخرة)من كل الاعمال الطيبة لنفسه ولمجتمعه وللعلم والانسانية وكل ما امرنا به الله مما يعود بالمنفعة للانسان ولحياته وللاخرين ...وربما ..كان هذا السبب الذى جعلنى اشعرواقدر التعب والجهد الذى بذله والدى فى حياته فابكانى... وفى موقف اخر ...ترك عندى رد فعل كبيرهو كيف يمكن لحفيد ان يبكى جده بدون ان يراه لانه ولد اصلا بعد وفاته... كنت دائما اشجع اولادى أن يقرأوا عن حياة جدهم خصوصا بعد ان اسس له اخى موقعا خاصا على النت وكنت دائما احدثهم عنه وقد جلبت لهم معظم مؤلفاته وتحملت عناء حملهم عند السفر من اجل ان اوصل لهم هذه الثروة التى تركها والدى وهى اغلى ما يورثه اب لاولاده ...العلم النافع ...وفى يوم من الايام وبعد الحاح منى حاول ابنى ان يقرأ ويستطلع حياة ومسيرة جده وعندما انتهى من ذلك جاءنى يحمل فى وجهه الكثير من التساؤلات وتلك النظرة المحدقة فى الافق البعيد ..وفيها الكثير من الحنين والتمنى وقال لى : هل كان جدى بهذه الدرجة من العلم والثقافة والمستوى الوظيفى؟ هل تعرفين يا امى اننى غير محظوظ لاننى لو كنت محظوظا لشاء لى القدر ان اتعرف على جدى...ثم نظر بتلك النظرة البعيدة وكأنه يتمنى شيئا وقال :اه..كم كنت ساكون سعيدا لو اننى كنت طالبا عنده فى الكلية واتمشى بين ممراتها وارفع راسى شامخا وكاننى اقول للناس ..ان جدى عميد الكلية! حلم وامنية لولد صغير يحب ان يتباهى بجده ...رغم انه لم يستطع ان يخفى دموعا تترقرق فى عينيه ..اه لو اسعفنى الحظ وتعرفت عليه...فقلت له مشجعة اياه بانه سيكون مثله وربما احسن منه رغم شكي بذلك لكنه رد على وقال ساكون باذن الله وادار برأسه واتجه نحو غرفته وكانه يخفى شيئا ...ربما يحاول اخفاء دموعه ...وبعد ان اختفى عن نظرى تركت مافى يدى واتجهت الى غرفتى وانفجرت ببكاء شديد وكاننى للتو سمعت بخبر وفاة والدى ...اجل كم كنت اتمنى ان يرى احفاده ويرعاهم بحبه وحنانه ...وكم حزنت لان الموت خطفه منى ومن احفاده...وكاننى ولاول مرة اعرف ان اولادى حرموا من جدهم والعكس ايضا صحيح..موقف كنت اعرفه وادركه منذ اللحظة التى تزوجت فيها بانه لم يكن لاولادى جدا من طرف امهم ومع ذلك لم اكن مهتمة كثيرا لانه موضوع مسلم به منذ زمن بعيد ولكنه اثار عندى ردود فعل مختلفة بعد ان جاوز ابنى السابعة عشر من عمره....ربما نظرة الحزن فى عينيه....او تلك القيمة المعنوية الكبيرة التى فقدها اولادى وحرموا منها...او ذلك الشعور بالاعتزاز والفخر به والذى افتقدوه ...او ربما هو حنينى انا اليه وانا فى تلك المرحلة من العمر حيث كنت من النوع الذى يحاول ان يتكتم التباهى والتفاخر به ليس لانه غير جدير بذلك بل لاننى لااحب ان تلصق بى صفة المتباهية او المتكبرة او المتفاخرة من قبل بعض طالبات الثانوية..ولو رجع بى الزمن الان لتفاخرت وتباهيت به وكيف لا وهو يستحق اكثر من ذلك ..وربما... وربما ...وربما...لم اعد ادرى...
مواقف كثيرة تحكى وقصص  تسمع وروايات تروى وصفحات تستوعب الكثير والكثير وتضيف فصولا جديدة فى كتاب حياة والدى وكلها تدل على ان نهاية الانسان لاتكون بوفاته بل على العكس ستصبح بداية لاستكشاف ذلك الانسان الغائب المفقود وتظهر الكثير من سلوكياته ومواقفه وتفاعله الحقيقى مع الناس او بالاحرى ما قدمه لحياته الحقيقية الابدية...فيصبح موجودا رغما عنا.
 وكما فى حياتنا بدايات مفرحة ومحزنة فهناك ايضا نهايات سعيدة وحزينة...ولان للنهايات صورة اوضح وأعمق ومعنى أغزر وأدق وأشمل وحكم وعبر اكثر فهما وأدراكا فاننى أرتأيت ان اضع عنوان مقالتى هذه فى النهاية وليس فى البداية حتى يكون اكثر استيعابا لمن يقرأه واشد وقعا على النفس... وهوما أرتأيت ايضا كتابته على هويتى الشخصية(غير الرسمية) .. ويبقى سؤال واحد قبل ان اذكرعنوان المقال وهو: الا يحق لنا الان ان نحتفل ونتذكر تاريخ الوفاة وليس تاريخ الولادة؟؟؟؟ بلى..والله...فالاحرى والاجدر بنا ان نقوم بذلك ..لذا فاننى احتفى بتاريخ ميلاد ابى الحقيقى وهو 18_1_1984 وسيكون عنوان مقالتى ( تاريخ الميلاد:...مؤجل ...لحين الوفاة).


الثلاثاء، مارس 29، 2016

ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية -المراجع الرئيسية

المراجع الرئيسة لهذا البحث :
1-    بطرس حنا، الاب د. (حملة نادرشاه على العراق سنة 1145هـ في وثيقة سريانية)، مجلة بين النهرين، العدد 33، 1981.
2-    الحسني، عبد الرزاق (العراق قديما وحديثاً)، ط4، 1971.
3-    خليل البصير (أرجوزة السيد خليل البصيري)، تحقيق سعيد الديوه جي، مجلة المجمع العلمي العراقي، مجلد 13، 1965.
4-    الديوه جي، سعيد (جوامع الموصل في مختلف العصور)، الموصل، 1963.
5-    ستيفن هـ. لو تكريك (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث)، ترجمة جعفر خياط، مطبعة التفيض الاهلية، بغداد، 1941م.
6-    سليمان الصايغ، المطران (تاريخ الموصل):
جزء 1، المطبعة السلفية بمصر 1242هـ/ 1923م.
جزء 2، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1928م.
جزء 3، مطبعة الكريم، جونيه، لبنان، 1956م.
7-    عصام الدين عثمان الدفتري العمري (الروض النضر في ترجمة أدباء العصر: 3 اجزاء، تحقيق د. سليم النعيمي مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1974، 1975.
8-    عماد عبد السلام رؤوف (الموصل في العهد العثماني)، مطبعة الآداب، النجف الاشرف، 1975.
9-    عمانوئيل للقديس البير، اسقف بغداد (بابل) والقائم باعمال قنصل فرنسا (مقتطفات الرسائل الرسمية) المرسلة الى السلطات الفرنسية، مخطوطة في دائرة الوثائق الوطنية الفرنسية للفترة من 1742-1746م، ترجمة د. يوسف حبي، مكتبة د. محمود الجليلي.
10-       القادري، السيد فتح الله الموصلي (أرجوزة ملحمة الموصل)، تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة أسعد، بغداد، 1965.
11-       لانزا، دومينيكو (الموصل في الجيل الثامن عشر- المذكرات) تعريب القس روفائيل بيداويد، مطبعة النجم، الموصل 1951م.
12-       محمد أمين خير الله العمري (منهل الأولياء ومشرب الاصفياء من سادات الموصل الحدباء)، تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة الموصل، 1/1967، 2/1968.
13-       محمد مصطفى الغلامي (شمامة العنبر)، تحقيق د. سليم النعيمي، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، 1977.
14-       ندوة الاضطهاد اللغوي لعرب الاحواز، المنعقدة في بغداد للفترة من 10-12/1/1982.
15-       ياسين الخطيب العمري (قرة العينين في تراحم الحسن والحسين) مخطوطة، نسخة مصورة في المجمع العلمي العراقي برقم (91)، 1366نـ.
16-       ياسين خير الله العمري (زبدة الاثار الجلية في الحوادث الارضية) تحقيق د. عماد عبد السلام رؤوف، مطبعة الآداب، النجف الاشرف، 1974.
17-       ياسين خير الله العمري (الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون) جزءان، مخطوطة مصورة في المجمع العلمي العراقي.
18-       ياسين خير الله العمري (منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء)، تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة الهدف، الموصل 1953.
19-  Olsen, Robert W. (1975). The Siege of Mosul and Ottman-Persian Relations 1714-1743. Indiana University, Bloomington, USA.
20-  Stanhope, Aspin wall (1743). Letters to the Duke of New Castle His Majesty's Principal Secretary of State. London; Public Records Office, Sp. 97. Turkey 32.

21-  Kemp, Percy E. (1979). Mosul, Mosuli Historians of Al-Jalili Era 1726-1834. Michaela's (Ph.D. Degree). Oxford; Pembroke College.

ملحمة حصار الموصل وابعادها النفسية والقومية والعالمية -الجزء الرابع

واليوم ... في حربنا المقدسة:
واليوم في حربنا المقدسة عن ارضنا وعروبتنا وامتنا، لابد أن نذكر عبر القرون تلك السلسلة المتلاحقة من الموج العدائي ضد الامة العربية ودور العراق البطولي الرائد في حمل مسؤولية الدفاع عن امة العرب والاسلام في وجه التهديد الفارسي.
وعندما نذكر حصار الموصل كآخر سلسلة من تلك الموجات الكاسحة الكريهة والفاشلة، فإننا سندرك حالا كيف ان التحرش والتهديد الفارسي للعراق ودول الخليج ومحاولته التسلل الى الوطن العربي يزحف مخطط بأسلوب الهجرة والاستيطان او باحتلال جزر واغتصاب قطع من الاراضي والمياه وفرض السيطرة على الملاحة في شط العرب والخليج العربي، ثم الشروع بقصف المدن العراقية القريبة من الحدود ..، كيف ان كل ذلك كان ينذر بهبوب العاصفة الفارسية العنصرية من جديد بعد خمودها او تسترها حوالي قرنين ونصف من الزمان.
ولم يغب عن حنكة ودراية القيادة الحكيمة  هذا الماضي الطويل ..، فكان لا بد من نقل المعركة الى بلاد الفرس انفسهم وتلقينهم درسا لن ينسوه ليكون ملحمة العرب الكبرى والقادسية الثانية واسطورة القرن العشرين التي يسجلها العراق نيابة عن الامة العربية.
وحيث ان بحثنا يتناول حصار الموصل وعبرته. فسأذكر تلك القضايا التي أدت الى حتمية حربنا الدفاعية العادلة ونقلها الى ارض العدو وليس على ارضنا هذه المرة. اما اوجه المقارنة فكثيرة ولا تغيب من فطنة القارئ ولا ضرورة لذكرها جميعها بالتفصيل الا ما يستوجب الذكر والملاحظة والتأكيد:
1-    فاذا كان حصار الموصل من اهم احداث الشرق الاوسط في القرن الثامن عشر بشهادة النقاد والمؤرخين والدارسين المعاصرين، فان الحرب العراقية – الايرانية الحالية اعتبرها الدارسون انها من اهم احداث الشرق الاوسط في العامين 1981  و 1982 مع الفارق بينهما من حيث السعة والتميز العسكري والسياسي والاجتماعي والتاريخي الذي نجده الآن في حرب القادسية الثانية والتي تدور في ظروف متشابكة وبين محاور متقاطعة محرجة جدا على المستويين القومي والعالمي ..
2-    إن شخصية وسيرة نادرشاه الذاتية تذكرنا لاول وهلة بشخصية الخميني. فلقد ولد من عائلة لم تكن نابهة ولا حقيرة في خراسان عام 1688م من قبيلة الافشار. وقضى حياته راعيا ومجازفا وقاطع طريق، ثم ضابطا في جيش اللانظاميين الصفوي. ثم انضم الى طهماسب شاه ايران الصفوي وبلغ مكانة رفيعة في عشيرته. وتولى قيادة الغزوات بنفسه وتوسع وطرد الافغان المحتلين، وهكذا حصل على لقب (طهماسب قولي خان). ونظر الى نفسه كآخر فاتح آسيوي سيعرفه العالم. وكان نادرشاه عنيدا غشوما كثير الحروب سفاكا للدماء، واشتدت شوكته وتعطشه للثار ..، فقد انقلب على الصفويين وستاثر بالحكم، وبادر بالاصرار على شروط متعذرة على العثمانيين وهي ((تلك الشروط التي تجعل الفرد يرتاب بوجود خلل في التوازن العقلي الذي كان منشؤه الطمع المفرط والقسوة الجنونية والجشع اللذان عرف بهما الشاه في سني حياته الاخيرة)) (78). وقد مات الشاه اغتيالا، وبذا لاقت بربريته العطشى الى الدماء نفورا من شعبه وفزعا، فلقي حتفه على ايدي مواطنيه (79).
وكان تمرد ابن نادرشاه (رمنا قولي) عليه دليلا على عدم قناعته بسياسته أو افكاره، لكن نادرشاه عاقبه بسمل عينيه، وقبل ان ذلك دفع بنادرشاه الى مزيد من حالة اختلال التوازن العقلي والحنكة السياسية وزاد من شراسته واعتدائه وممارسته القتل التعسفي الاعتباطي (80).
3-    إن تاريخ اعتداءات الفرس على العراق والبالد العربية وما تفعله قواتهم ولا أخلاقياتهم لا تدع مجالا لتردد أي عربي مخلص في قرننا العشرين في الدفاع عن نفسه ونقل الحرب وساحتها الى داخل اراضي الفرس. والادلة على ذلك كثيرة منذ ايام السومريين والبابليين، لكننا سنقتصر على فترة العلاقات العثمانية – الايرانية:
أ‌-        فقد هاجم عباس باشا الصفوي بغداد عام 1622م ودخلها فقتل اربعة الاف من نفوسها واحرق ما وجده من مخازن الكتب وخرب مرقد الامام عبد القادر الكيلاني ومرقد الامام ابي حنيفة، وارتكب فظائع كثيرة (81).
ب‌-    وأرسل وزيره قاسم خان الى الموصل لفتحها عن طريق كركوك. وكان فظا شرساً أخاف الاهالي فهاجر من المدينة كثيرون الى جزيرة ابن عمر (82).
جـ- وفي عام 1732م حاصر نادرشاه بغداد تسعة أشهر بعد أن اجتاح الحلة والكوت ولم يدخلها، لكنه قتل الابرياء وسبى النساء ودمر العمار (83).
د- أما (نركز خان) وهو في طريقه الى الموصل لتأديبها فقد دمر في طريقه (دير سعيد) جنوب الموصل وقتل رهبانه وتركه قاعا صفصفاً (84).
هـ- وطيلة مسيرة نادرشاه من بغداد الى الموصل عن طريق كركوك – أربيل عام 1743 لحصار الموصل ووصوله السهول المحيطة بالموصل كان يهلك القرى (وخرب قرية القورية قرب كركوك)، واحتل كرمليس وبرطلة وقرهقوش وتلكيف وتلسقف والقوش. وكان يقتل النصارى ويسبي النساء والصبيان وينهب الاديرة، وقيل ان عدد الاديرة التي نهبها بلغت 300 دير (85).
و- وقد نهب جند نادرشاه مرقد وجامع النبي يونس (ع).
ز- ودمروا مدينة زاخو وخيرات جزيرة ابن عمر.
ح- ولم يحترم الفرس آداب وقوانين الحروب، فقتلوا بعض الاسرى، كما حدث في معركة (نركز خان) وقتله عندما هاجم الموصل.
4-    إن الابحاث التاريخية الحديثة، واعادة التدقيق والتنقيب كشفت بما لا يقبل الشك ان حكومات الفرس المتتابعة على اختلاف نعراتها وعشائرها واطماعها كانت تنتهج سياسة مبرمجة لاضطهاد عرب الاحواز وتثبيت ومتابعة سياسة (التفريس) (كعملية غسل دماغ) بطيئة ومستمرة وجدية بالصيغ التالية (86):
أ‌-        التخريب اللغوي بابدال وتغيير اسماء المواقع والقرى والمدن العربية.
ب‌-    الاساءة الى لغة القرآن الكريم.
جـ- منع تسمية الاطفال باسماء عربية.
د- مد النفوذ الفارسي تحت غطاء دعوة اسلامية.
هـ- تزويد النساء المتزوجات الاميات من عرب الاحواز بحبوب منع الحمل عند مراجعتهن المستوصفات الطبية للمعالجة الاعتيادية هادفين بذلك الى تقليل النسل العربي.
و- تغريم والد كل طفل عربي في المدرسة ينطق بكلمة عربية بمبلغ من المال، فاذا كثرت هذه الاغلاط يكون مبلغ التغريم رادعا للأب والاسرة، مما قد يضطره الى منع طفله من الذهاب للمدرسة لفقر حاله.
ز- ويؤدي ذلك الى ارتفاع نسبة الامية في الاحواز والتي بلغت اعلى نسبة في العالم وهي 97%.
ح- جعل اول واجب لأي حاكم ايراني (من ضمن برنامجه السياسي9 هو خلق الفرصة لمهاجمة العراق قبل كل شيء، مما يكشف عن نية عنصرية متوارثة لغزو الوطن العربي من باب العراق، والتذرع بأسباب تتعلق بالمرحلة التاريخية.

فبعد كل هذا – ونحن بصدد حصار الموصل في ضوء حرب القادسية الثانية، نجد أن حربنا اليوم هي ضرورة حضارية وقومية تهدف الى فك الحصار عن الامة العربية والى التفرغ الى الخطر الآخر وهو الصهيونية العالمية الممثلة في إسرائيل المزروعة لغما في قلب الوطن العربي.

ملحمة حصار الموصل - الجزء الثالث


الحرب النفسية في حصار الموصل:
"الحرب النفسية" اليوم تلمع في ذهن القارئ كوسائل الدعاية والاعلام والتقنية الحديثة من وسائل التوصيل، كالإذاعات والصحف والتلفاز والنشرات الملقاة من الطائرات ومكبرات الصوت. فكيف نتكلم عن حرب نفسية حدثت قبل (250) عاماً حيث لم تكن تتوفر كل هذه الوسائل؟ ومع ذلك، فقد وجدت في ملحمة حصار الموصل جوانب لحرب نفسية حقيقية اعتمدت على المعنويات وعلى وسائل بسيطة لكنها مؤثرة في تسيير دقة المعركة وحسم النصر للعراقيين.
وكانت ملحمة حصار الموصل موضع حديث وذكر وتعليق الكثير من الكتب والتقارير والقصائد أثناء وبعد المعركة، وفي كل دراسة تناولت الحكم العثماني في العراق أو العلاقات العثمانية-الإيرانية (43). وقد وجدت أن أوضح وأوجز استعراض مسلسل للمعركة هو التقرير الرسمي الذي بعثه محافظ الموصل (والي حلب) حسين باشا القازوقجي مساعد والي الموصل الوزير الحاج حسين باشا الجليلي إلى السلطان محمد الثاني في استانبول باللغة التركية بعد هزيمة نادرشاه ورجوعه على أعقابه مدحوراً بعد حصار دام (42) يوماً. وكان والي حلب قد قدم إلى الموصل بصحبة الفين (أو أقل) من الجند لمساعدة الموصل. وقد خط الرسالة بالتركية (بارعي أفندي) وحملها إلى الباب العالي ابن حسين باشا الجليلي محمد أمين بك. وقد نشرت الرسالة في (سالنامه ولاية الموصل) سنتي 1308ه و 1310ه، وترجم التقرير إلى العربية المرحوم دكتور داؤد الجلبي (44).
وأورد أدناه ملخصاً للتقرير لاعطاء القارئ الكريم الصورة الرسمية لمعركة حصار الموصل قبل التطرق إلى ما دار خلالها من حرب نفسية:
"يخاطب محافظ الموصل السلطان العثماني بالتحيات التقليدية الرسمية (45)، ثم يذكر له أن نادرشاه بعد أن اكتسح قلاع ليلان وكركوك وأربيل وتوهم أن الموصل ستكون لقمة سائغة أيضاً. وأرسل الشاه أربعة أشخاص من بينهم اثنان من شخصيات كركوك ومعهم رسالة موجهة إلى مفتي الموصل-وليست للوالي-، مما استوجب اعتراض الوالي على هذا الأسلوب في المخاطبات. وتضمنت الرسالة انذارا وتهديدا من الشاه بأن يسعى الوالي وأتباعه إلى تسليم القلعة وترغيب الأهالي في استقباله مباشرة. فأعد الوالي والمحافظ الرد المتضمن إلى الاهالي والحكام سيدافعون عن ديارهم ومستعدون للحرب. وعاد السفراء الأربعة ليرجع سفير أخر أرسله الشاه ليخاطب الوالي برسالتين هذه المرة ويعده بأن الشاه هو (شاه المسلمين) وذو مراحم كثيرة (شاهنشاه يندر مثيله، تعرفه بلاد الهند والترك وسائر الممالك)، وأنه كريم يشفق على الأنام وقد جاء لينشر المودة والرأفة، ويطلب من أهالي الموصل الاستقبال و (التذلل) والاستعطاف أمامه وإلا كانت النتيجة شراً. فطردوا ذلك الرسول قائلين له: (إذا جاء سفير منكم بعد هذا فأننا سنقطع رأسه عوضا عن اعطاء الجواب..)، وكانت أول معركة أن عبرت قوة من (700) محارب نهر دجلة لتصدي لطلائع الغازين، لكن جمهر كبيرة من الفرس توالت عليهم فرجعت القوة منهزمة فقتل منهم وأسر أثناء انسحابهم. بعدها عسكر نادرشاه بـ (300) فارس وخيم في موقع (يارمجة) مقابل الموصل من الساحل الأيسر جهة الجنوب الشرقي قرب جامع النبي يونس. وطاف الشاه حول المواقع وبنى الأبراج والمتاريس وعين مواقع المدافع والهاونات في أثني عشر محلاً. وانتقل بقوة أخرى إلى غربي الموصل. وبدأ القصف الشديد من جميع الأطراف. وزلزلت الأرض واختلطت النار بالدخان وبالاتربة والرمال المتراكمة (وتحول النهار المضيء إلى ليل مظلم). ودام الحال أيام متوالية تبعها بخمسة أيام أخرى من قصف البج الكبير (باشطابية) و (باب سنجار) فتهدمت مواقع كثيرة لكن الوالي وأبنائه وأقرباؤه كانوا يقضين ساهرين يوزعون الأعمال ويشجعون ويرمون الثغرات ويبنون البروج من جديد ليل نهار. وحول الشاه مجرى دجلة لقطع المياه عن البلدة لكن الآبيار المهيئة سابقاً والكثيرة في البيوت عوضت عنها رغم حصول ضيق وحيرة من جراء ذلك. لكن الصبر والحماس والايمان جعل الجميع يصدمون. وكانت مجالس الشورى تعقد يومياً لدراسة سير المعركة، ودوريات الوالي والقادة على جميع المواقع والأبراج مستمر ليلاً وكانت قلوب الأعداء تهلع عند سماعهم نداء (الله...الله...) من قبل الموصليين اضافة إلى اصوات الأذان المحمدي في القلل. وكانت آخر محاولة للفرس هي زرع الغام تحت السور (البدن) لهدمها والنفوذ منها كما جهزوا نحو الف سلم لتسلق عليها لكنها السهر واليقضة وإعداد الزيت المغلي لسكبه على المتسلقين ورميهم بالحجارة افزعتهم وسحقهم. أما لطف وعناية الله فقد جعلت لغمين ينفجران خلاف الخطة فأحدها انفجر باتجاه معاكس ليقتل منهم الالاف، والثاني انفجر تحت السور غير السور الحقيقي للبلدة. ولم ينفجر اللغمان الآخران. وهكذا أصاب العدو اليأس والخيبة وتعطل مكره وكيده (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله).
ثم طاردت عساكر الموصل فلول الفرس المضطربة خارج السور بالقنابل والسيوف والخناجر والرماح داعين مهللين  (الله...الله...). وتكومت جثث العدو الغاشم وسالت الدماء (وأعادت ذكرى بطولات سابقة، فأنهار الداء المتلاطمة الفائضة من السيوف الإسلامية حكت حادثة الطوفان واشبهت سيل رستم ونريمان)، فلم ير الفرس واقعة كهذه تشبه يوم الحشر. وكانت قذائف عساكر الموصل دقيقة تصيب أهدافها بينما تطيش قذائف العدو. وكان الوالي والمحافظ والاتباع مع المقاتلين ووراءهم حاضرين دائماً مشجعين مشاركين قائلين: (هذه فرحة احراز الشهادة وكسب السعادة في العقبى). وكانوا يكرمون الجرحى والغرقى من الأعداء، واضمحلت عساكر (القزلباشي) فاضطروا إلى إلقاء أنفسهم في الخنادق حيث هلك أكثرهم وولى البقية الأدبار باكين لحالهم كزمرة خنازير. وعندما أرادت خيالتهم منعهم من التقهقر والهرب ومعهم الشاه يصيح فيهم، لم يلتفتوا إليه بل هاجموا رفاقهم الخيالة بسيوفهم لفسح الطريق لهم وقاتلوهم فعلاً في بعض الأماكن. وكان ما رموه من قنابل على المدينة قد بلغ سبعين الف قذيفة من (200) مدفع عدا مرميات الحجارة والبنادق. عندئذ طلب الشاه تقديم هدية له من ثمانية خيول أصيلة نادرة من الوالي لستر خذلانه ورمزاً للصلح وليس للهزيمة الفعلية لأنه انسحب بالفعل مولياً الأدبار بعد استلامه الهدية دون أي شرط-انتهى تقرير الموصل للباب العالي.

1- الحرب النفسية الفارسية:
من البديهي ان يكون لكل حرب نفسية جانبان: سلبي (في جانب العدو) وايجابي (في جانب الشعب المعتدى عليه). وقد استفاد نادرشاه من بعض الامور لشن حربه النفسية لتمهد له اجتياح الموصل ثم اسقاط الدولة العثمانية يمكن تلخيصها بما يلي:
1-    استغل نادرشاه شهرته الحربية عندما اجتاح الهند والسند واحتل بعض المدن العراقية، ولم يخف ذلك عندما ارسل اول كتاب له إلى والي الموصل يحذره فيها وينصحه بتسليم المدينة. ثم يلجأ إلى الاقناع المعسول اذ يختتم الرسالة بالتحذير من العقاب الذي ناله أهالي الهند والسند والترك وكركوك، وينصح الوالي وأهالي الموصل ((بإستقباله هو الشاه العادل الكامل الرؤوف والخاقان الأعظم العطوف، فهو معروف بهمته العالية بالشفقة والاستعطاف ...، فلا تعرضوا انفسكم لنزول نيران عضبه وشده بطشه وسخطه ...)) (46).
2-    استند نادرشاه على دعاية سبقته عن شده بطشه وقوة جيشه وضخامته والذي اجتاح المدن الكبرى والقرى المنتشرة حوالي المناطق القريبة من كركوك إلى الموصل.
3-    حاول الشاه الحيلة بعرض الصلح دون الوعد بكف الهجوم. وكان يستعين بآيات من القرآن الكريم لفت عزيمة الوالي والمحامية واقناعهم بعدم جدوى القتال مثل: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان))، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: ((ان من فرج عن أخيه المؤمن فرج الله عنه سبعين كربة يوم القيامة، ومن رأى أخاه في حفيرة فأنجاه، أنجاه الله من النار ..)).
4-    توهم نادرشاه بأن الموصل لا تختلف عن أربيل وكركوك والحلة والقرنة والبصرة من حيث ضعف ونقص استعداداتها. وكذلك تصور بعض الرحالة المؤرخين مثل (جين واتر) الذي وصف الموصل بأن أسوارها ضعيفة ومعنويات الموصليين واهنة (47). وقد تعزز وهمه عندما وجد أن كركوك قاومت ثلاثة أيام فقط ثم استجابت لشروطه، أما أربيل فقد وجدت في التسليم خيراً لأهاليها فلم تقاوم اكثر من نصف نهار ..
وكان هذا كل رصيد الفرس في حصارهم للموصل. فالمعنويات التي استند اليها نادرشاه كانت واهية وأساسها الغرور والغطرسة والثقة في عدد المقاتلين وليس في كفائتهم الحقيقية أو ايمانهم بقضية معينة راسخة.
الحرب النفسية العراقية ضد الفرس:
1-    كان نجاح قوات الموصل عام 1732م في قتل قائد الحملة مساعد نادرشاه (نركز خان) الذي أرسله بثمانية آلاف جندي اثناء حصاره لبغداد وتشتيت جنده قبل وصوله الموصل، (والرجوع برأسه إلى المدينة) تاريخا قريبا مشجعاً اذ كان النصر والاعلام والتحيات وهلاهيل النساء وقصائد الشعراء والادباء تذكر هذه المعركة وتعيش في أذهان الصغار والكبار اذ لم يمض على الحادثة اثنا عشر عاماً فقط (48).
2-    ان اجتياح نادرشاه للقرة المحيطة بالموصل وعلى طول مسيرته من كركوك إلى اربيل وحتى وصوله الموصل، واعتداءه على الأطفال وسبيه النساء وتخريبه المزارع لم يثر الرعب بقدر ما أثار الحقد والمرارة والعزم على المقاومة بالتوجه إلى مدينة الموصل كمعقل دفاع ليشاركوا أهاليها في الحرب. فكان هذا التجمع المختلط من مختلف القوميات والاديان والمستويات ابرز تجسيم لوحدة وطنية في إطار روحية الدفاع عن الوطن الأكبر وفي انصهار الحماس والمعنويات في غاية واحدة هي رد دخيل مارق وماكر وغادر لا يقيم وزناً للإنسانية ولروحية الاسلام الصحيح أو الجيرة. لذلك كان دفاع الموصل دفاعاً شعبيا بكل معنى الكلمة..
3-    إن المتابعة المستمرة من القيادة لتدابير الدفاع والهجوم والحراسة والترميم والاسعاف وتوزيع الوحدات، وشجاعتهم وامتزاجهم مع الأهالي بصفة المواطن المحارب قبل صفة الحاكم والآمر والناهي وحدت كلمة الاهالي وقلوبهم وجعلتهم أمام مسؤولية مباشرة قومية وطنية، وليس مجرد انفار محاربين في اطار تنظيم عسكري. وكان هذا هو شعور الجندي النظامي وشعور المدني من الاهالي الذين تطوعوا جميعاً وامتثلوا لتوجيهات القيادة. ويلاحظ من تتابع الاحداث وواقعها أن ولاء الوالي واسرته كان للعراق والعروبة، وقد اطلق علهيا فعلاً "الحرب المقدسة" (49).
وكانت الموصل تستعد روحيا وماديا للمعركة. وكانت الموسيقى العسكرية ودورات الباشا بين كراة الخندق وبناة السور المشتغلين باستمرار تلهي الجميع وتحبب اليهم العمل (50).
4-    وصول نجدة والى حلب – رغم قلة عددها – اضغى على حرب الموصل مصير المدن العربية وتآخيها ضد اعداء العروبة والاسلام. ويضاف إلى ذلك قدوم نجدة من (500) محارب كردي ساهم فيها (كوج باشا) حاكم كويسنجق، مما اكسب المعركة عنصراً معنوياً جديداً وهو أن الأكراد يرون في الهجوم الفارسي اعتداء على شرف الامة والوطن.
5-    كان قرار الصمود والدفاع عن البلدة مثال الديمقراطية البرلمانية والشعبية. فقد جمع الوالي الاهالي في طرف المدينة الجنوبي الشرقي في الساحة المحيطة بالجامع الأحمر (51) وقرأ عليهم رسالة نادرشاه المليئة بالغطرسة والتهديد والوعود الخادعة وسألهم رأيهم فيما جاء فيها وموقفهم منها. وقد أدركوا كذب وغرور نادرشاه، ولم ينخدعوا بما تظاهر به من ايمان وعطف فأجابوا جميعهم بصوت واحد أنهم مستعدون لما يأمرهم به وموافقون على رأيه في اقتحام غمار الحرب ولو كلفتهم إراقة دمائهم جميعاً (52). ويقول فتح الله القادري في أرجوزته هذه الأبيات:
قد جمع الناس وأفشى الخبرا

اذاع فيما بينهم ما قد جرى
وقال: ياناس الا فاجتمعوا

وحال كركوك واربل اسمعوا
فقال: نحن وبنو اعمامي

نشد حزم العزم للأقدام
لقد أتت نوبة ذي الحدباء

وانه آت بلا مراء
فنحن منكم ثم انتم منا

فلا تخافوا فشلا وجبنا
وعرضكم عرضي وانتم مني

وطفلكم طفلي خذوا ذا عني
فواطنوا القلب على الثبات

واخلصوا لله بالنيات
فقوموا ياقوم على البروج

وهموا ياناس على الخروج
فقامت الناس إلى السلاح

وصاح فينا صائح الفلاح

6-    وكان الجواب على كتاب الشاه موزونا رزينا مشحونا بالثقة والمعنويات نذكر منها المقتطفات التالية: ((... فالعياذ بالله، امن بعد إيماننا والمقاتلة دون اموالنا والمكافحة عن أولادنا وعيالنا، يهولنا منكم شقايق اللسان ويروعنا سحر البيان ووسوسة الشيطان وكثرة الهذيان ..، فما وعيدكم الا كصرير باب، وكما ظن لوح الهجير ذباب. أفرأيتم أن القصاب تهوله كثرة الغنم أو الاسد الغشمشم يدركه تراكم النعم ..))، ((.. كلا ستعلمون ثم ستعلمون اسافنا صقيلة .. وسطوتنا ثقيلة .. وحلومنا رزينة ... وقلوبنا كالحديد متينة .. وبلدتنا بحمد الله حصينة. ستر العرش مسبول علينا، وعين الله ناظرة الينا، وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون. ورثنا عن آباء صدق.. ، ونورثها اذا متنا للبنين. فلا سمعا ولا طاعة، واهلا بالسعادة والشهادة هذه الساعة ..)) (53).
7-    وكانت كفاءة الوالي وحسن تدبيره وقيادته وسهره وحبه للمدينة واهاليها وتطوعه بنفسه واولاده وأقاربه موضع تقدير الجميع ورفع معنوياتهم ونسيان أي مثبطات أو امور سلبية تافهة. فشخصية القيادة والفرسان والضباط والجنود كانت من روح الجماعة ومعها.
وقد أحرز والي الموصل بذلك تقريضاً ومديحا وتاريخا لشخصيته الباسلة في كل ما كتب من تاريخ الموصل في تلك المحنة (54)، ويذكر محمد مصطفى الغلامي في (شمامة العنبر) جملة من اصلاحاته وعطفه على الفقراء والمحتاجين حين الغلاء والمجاعة وعمله الافران لإطعامهم (55).
8-    وكانت وحدة المسلمين والمسيحيين في جيش مدافع عن الموصل من ابرز احداث القرن ودليل وطنية وعروبة القتال، وساعد على استقلاليتها وشعورها بذاتها وكيانها وتمثيلها للعراق بعيدا عن الباب العالي. ويقول الرحالة (نيبور) ان المسلمين شهدوا للمسيحيين بالشجاعة والصمود والحفاظ على روح النصر.
9-    وكانت كل عملية حربية وكل استعداد يقوم به الجند والأهالي يسهم فيه كل أفراد الاسرة الحاكمة وعشيرتهم. فقد جرى حفر الخندق حول اسوار الموصل بعمل جماعي من قبل الغني والفقير والشهير والمغمور ..، وكان كل ضرر وتخريب يحدث نتيجة القصف يصلحه الاهالي ليلا او نهارا وفي الحال وفي أي مكان من أزقة وشوارع ((فتضافرت بذلك مجهودات الجميع من الجليليين الى الشحاذين)) (56).
10-    إن انكشاف المكر السياسي والمناورة الطائفية في إطماع نادرشاه التوسعية بأفعاله واقواله المناقضة لروح الدين الاسلامي الحنيف اصبح مفهوما لدى العامة. كذلك استصدر الباب العالي من علماء الدين في استانبول فتوى مفادها أن ((القتال ضد الفرس وأسرهم أمر حلال وان مطالب الفرس تناقض الدين الحنيف)) (57).
واستشهاد الموصل بالائمة وشعور الاهالي بانهم كانوا فرسان الامامين علي والحسين (عليهما السلام) اثناء الحصار دليل على عدم قناعتهم بادعاء الشاه وعلى محبتهم وشدة تعلقهم بمبادئ واخلاص وسمو سلالة الرسول العظيم. ويقول في ذلك خليل البصير (58):

هذا ولله جزيل الشكر


على النجاة واندفاع الشر
ثم من الصلاة ازكيها على


جد الذين حوصروا في كربلا

11-    إن قسوة نادرشاه على سكان القرى واعتداءه على الاديرة لم يكن مصدر ذعر للمواطنين بل حافزا لهم على المجابهة والحرب والمقاومة فلم ينس الهاربون والفارون ما فعله (نركز خان) عام 1732 في قرى متعددة، وما فعله الشاه في اربيل بعد حصارها وامتلاكها فقتل غالب اهلها وسبى نسائها وما ترك قبيحة الا وفعلها ثم رحل عنها الى الموصل (59). كذلك ما فعله جند نادرشاه في (دير ماراوراها) قرب قرية (باطنايا) اذ قتلوا القسس فيه، ومنذ ذلك الحين اصبح الدير مهجورا. لذلك فان الفارين اللاجئين من اطراف الموصل دخلوها كحصن دفاعي، ووجدوا في حسن استقبال الوالي والاهالي ورعايتهم لهم حافزا للقتال، وقد تم فعلاً تزويدهم بالسلاح والمؤن وشجعهم الوالي على القتال  والمشاركة في كل الاعمال.
12-    اخبر الوالي سكان الموصل ان رسل الشاه دليل ضعفه وخوفه وليس بسبب قوته وتمكنه من الموقف. ثم طلب اجراء خدعة حربية لاولئك الرسل وذلك بأن يجمعوا القنابر ويخفونها في ساحات بيوتهم، حتى اذا جاء رسل الشاه لا يمكنهم معرفة الاضرار الحقيقية التي سببوها لهم خاصة وان الترميمات تجري على قدم وساق من قبل فرق خاصة. وعندما سال الشاه رسله عن الاضرار التي حلت بالمدينة اجابوه (وقد انطلت عليهم الحيلة) بانها طفيفة وانهم لم يروا قنابر وقذائف وانهم رأوا معنويات الاهالي جيدة. وكانت هذه الشهادة مصدر استياء وخيبة امل الشاه (60). وكان المدخل الى فناء (كنسية الطاهرة) حتى قبيل الحرب العالمية الاولى مرصوفا بقنابر الطاغية نادرشاه من مختلف الاحجام ثم رفعت وصهرت واستخدمت موادها (61).
13-    كان الوالي حسين باشا الجليلي يكافئ القادة والضباط بالذهب والهدايا تقديرا لاعمالهم البطولية (62). أما الهجمات مالمضادة والغارات الخاصة (التي تشابه هجمات المغاوير الآن) فكان يقوم بها أولاد الوالي وضباطه المقربون. ويذكر القادري في أرجوزته أنه كان احد اعضاء تلك الفرق التي تقوم بهجمات ليلية عبر النهر لترعب الفرس. وكان عصام الدين عثمان الدفتري العمري (مؤلف الروض النضر) ايضا من اولئك الفرسان اذ يقول L(وكنت انا احد الفرسان وشاهدت من الهول ما لم يذكر بلسان )) (63). أما تقرير السفير البريطاني لدى الباب العالي الى حكومته فيذكر ان انفجار احد الألغام الاربعة التي وضعها الفرس من تحت الاسوار فكان من تدبير فرقة المغاوير التي وجهت اللغم نحو العدو وابعدته عن السور، وان ذلك اللغم قد قتل عددا غفير وأربك الجيش الفارسي وكان سببا اساسيا في تفكير نادرشاه بالانسحاب (64)، بينما تذكر المصادر الاخرى ان لغما واحدا انفجر باتجاه معاكس (بطريق الصفة او لارتباك الفرس وخوفهم اثناء وضعه). ولم يتفجر لغمان آخران مما اعتبره الاهالي معجزة ربانية وحماية لله للمدينة.
إن الروح المعنوية العالية التي ذكرناها تشبعت بروحانية دينية تولدت عن ظواهر خارقة جعلت اهالي المدينة يشعرون بأن الله معهم وانهم على حق. والوقائع التالية التي انتشرت اخبارها بين الاهالي تعتبر من عوامل رفع الروح المعنوية وتعزيز الحرب النفسية ضد هجمة (طهماسب الثالث):
أ- بعد أول معركة خاسرة بين عساكر الموصل وجند نادرشاه اراد متولي حضرة نبي الله يونس ان يرفع مافي الحضرة من الفش والبسط وكذا من الجامع فمنعه الوالي وقال دعه فعسى ان يأخذوا ما فيه فيغضب الله عليه ورسوله، وان نقص منه شيء فعليّ اتمامه (65).
ب- ومن حسن الحظ أن دجلة في تلك السنة مازا داو فاض، وبقى عسكر نادرشاه يعبر نهر دجلة من حيث شاء فاحاط جنده بالموصل ((مثل البياض بسواد الحدق))، ونهبوا من حضرة نبي الله يونس كل شيء حتى الحصر (66).
ج- وأعتقد السكان ان مدينتهم مقدسة ومحمية لكثرة مافها من مراقد الانبياء عليهم السلام والاولياء (مثل النبي يونس ونبي الله جرجيس، ونبي الله شيت، والخضر). وفي ذلك يقول القادري:

هذا وقد قلله الرحمن

في أعين الناس وذا أمان
لقد فهمنا انه المكسور

لكون حامينا هو الغيور
حضرة ذي النون رسول الله

كذاك جرجيس نبي الله
قد عود الله اهيل الموصل

من قدم وفي الزمان الأول
لو أذنبوا واخطأوا وتابوا

ثم الى مولاهم أنابوا
يكشف عنهم نازل العذاب

كرامة ليونس الأواب
د- وعزا البعض قوة المسيحيين من الاهالي المحاربين الى وجود أرواح القديسين معهم، مثل القديس (كوركيس) و (يوحنا) و (متي). ولذلك شيد الوالي كنائس جديدة وأعاد بناء وترميم كنائس أخرى (67).
هـ- ومن أسباب ارتفاع معنويات الاهالي ما ورد من ان مريم العذراء حمت المدينة، وأن شفاعتها عوضت عن قلة المؤن والعدد اضافة الى غضب القديسين الذين تهدمت هياكلهم ومعابدهم. ويروى سكان الموصل انهم شاهدوا من سطح كنيسة العذراء الطاهرة اشخاصا يحمون المدينة ويردون عنها القنابل مصوبينها جهة العدو (68).
14-    أن الحماس والاقدام بلغ ذروته بذكر آيات من القرآن الكريم والاناشيد العسكرية (المهتر خانة) والاهازيج والتي كانت سارية كل يوم. ((أهل الموصل كانوا في الليل يقرأون شيئا باللسان التركي يسمى (كلند) –وربما كلبند- كما هو عادة الينكجرية، فاذا تم صاح كل من اذا سمعها وقع في قلوبهم الرعب ويضيق بهم ذلك البر. قيل ان طهماز عنهم)) (69). ولم استطع ايجاد مدلول دقيق لهذه الكلمة او المصطلح، ولكن يستدل من معلومات الشيوخ وكبار السن بأنها تعني النشيد او الادعيات التي تمجد الجيش المدافع عن الموصل. ومهما يكن فان الاناشيد من وراء الاسواء مع دقات الطبول والدفوف واصوات الجموع كانت تقلق عساكر الفرس وتطرد عنهم النوم وتثير فيهم الجنب والتخاذل، ((واهل الموصل على الاسوار مرابطين في الليل والنهار لا يفترون عن الاستغفار)) (70).
ويقول في ذلك القادري:
هذا وكل الناس قد تشجعوا


بحرز مولاهم لقد تدرعوا
وكم لهم في البرج من صياح


الله الله ... الى الصباح
15-    إن كل تصادم ومواجهة يفشل فيها جند الفرس تعزز معنوية الاهالي بعدما تكاد كفة الميزان ان تنقلب او يتصور الفرس انهم المنتصرون. وان كثرة القتلى والمصابين من الفرس لا يمكن تصورها مقارنة بالخسائر القليلة من محاربي الموصل. وقد كانت افدح خسارة هي في انفجار اللغم المعاكس والمعركة التي دارت على الاسوار وخارجها والتي قتل فيها من الفرس حوالي خمسة آلاف و (500) جندي .. ((.. وفي تلك الليلة ضرب اللغم وهو من ناحية الشيخ قضيب البان غربي الموصلن فرد الله كيدهم في نحرهم اذ رد نار لغمهم عليهم)) (71)، ولم يقتل من جند الموصل الا نحو سبعين أو مائة ونيف (72).
وقد ذكر الرحالة (يحيى الكردي العراقي) في زيارته للموصل بعد سنة من المعركة واندحار نادرشاه: ((وبعد سنة اتيت الموصل انا ورأيت آثار القتلى في راضها كالأرجل والايدي والاطراف وغير ذلك (73).
كذلك يذكر المهندسون الذين اشرفوا على حفر أسس كلية طب الموصل الحالية انهم وجدوا مجموعة من العظام والجماجم يعتقد انها من بقايا قتلى جنود الفرس في تلك الجهة من سور الموصل قرب البرج الكبير (باشطابية) (74). ويذكر السيد القادري في ارجوزته ان رؤوس القتلى كانت كالتلول وان نادرشاه خسر ربع جيشه وجرح ربعه الثاني (75). وجاء في (النفحة المسكية في الرحلة المكية) للشيخ عبد الله السويدي: ((فدخلنا الموصل يوم الاربعاء سنة 1157هـ، واجتمعنا الوزير المكرم .. الخ، ورأيت في دار الحكم تلاً عظيما من قلل القنابر والاطواب التي رماها بها. فالحمد لله الذي رد كيده في نحره ومنح الاسلام منحه نصره)) (76).

16-    ومن الضروري ان نذكر مشاركة المرأة في المعركة بحماس عظيم رغم عدم ذكر حوادث معينة، ربما لما كان يحيط ذكر المرأة آنذاك من تحفظات تعتبر خروجا على التقاليد او الادب. لكن النساء شاركن فعلا، وأسهمت نساء الطبقة الارستقراطية في حركة البناء (من مساجد ومدارس) بعد أن استراحت الموصل وتخلصت من شدة وكرب عظيمين (77).